لحظات الفراغ فترات لها تأثير في فهم كثير من الأمور التي قد تبدو طارئة في حياة شاب عربي يخرج من البيت ليؤنس أعمدة الكهرباء ويطمئن على الحياة في شارع شعبي، الهواء لايمكن التأكد من حضوره اليومي بعيدا عن طنين الذباب،كما أن حمار الجار بنهيقه الصباحي اشارة مهمة على أن الحياة بخير وبإمكان عجلة المواطن الصالح أن تدور لخدمة الوطن.
توكلنا على الله وليكن الشارع بردا وسلاما،يقترب منك زميل "عطالة" ويبدأ في حديثه المتورم عن ثقافته وتحمله لمسؤولية معرفية خطيرة تؤرقه وتدفعه لطرح العديد من الأسئلة الوجودية التي لم يجد لها أجوبة لأنه منذ تخرجه من الجامعة دخل في دوامة من التفكير إلى حدود المرض الوظيفي قبل حصوله على وظيفة، لكنك تبادره باقتراح لئيم بأن يتوجه الى أقرب صحيفة و يعرض عليها صورته وعنوانه ليتم وضعها في ركن المتغيبين ربما يرق قلب الدولة فتبحث عنه.
أمامك الشارع كلسان طويل يلعق برودة كل شيء ،وقوفك اليومي حسب عداد إحساسك صار يتجاوز وقوف الكلاب والقطط والمخبرين،لكن ليس لحذائك من حيلة، حتى الحركة التي لطالما ردد في مسمعك أنها تجلب البركة لم تعد منها سوى بخفي حنين،تسمع أحدهم يسب ويشتم مسؤولي البلدية لأنهم يراكمون الأزبال في كل ركن،لكن رؤية نباشي النفايات وهم يتصارعون حول غنائمها يذكرك بمانشيت عريض لأحد الظرفاء يقول فيه:"مزابل قوم عند قوم موائد".
يرن هاتف، تزعق سيارة ،يصفر شرطي، يصرخ طفل، ترتفع أغنية لنانسي عجرم، "يطقطق" كعب عال لفتاة طارئة على الشارع،تدندن كلمات متناثرة من بينها:البقرة حلوب..أولاد الكلب عادوا من الخارج بسيارات جميلة...
الشوارع العربية تتشابه،كلها مقصوفة، من لم يقصفها الأعداء، قصفها الأخوة الأعداء من لصوص الوطن وسماسرته الوسيمين، أشلائها المقاهي الشعبية،وشظاياها العربات المتصافة،ودمها المجاري المائية،والمضحك انه بإمكانك الجزم على أنها تعرضت لوجبات متكررة من الصواريخ مما ترك حفرا عديدة تارة تستخدم ملاجئ للأطفال أثناء لعبهم وتارة أخرى لرمي الأزبال وتارات عديدة للتدليل على أن كل شئ بخير بعد سقوط المطر.
الشارع وطن صغير،انتماء غير حزبي لاينتظر إنتخابات تشريعية ليثبت أنه شارع مواطن