عندما نكتب..نحاول افتعال ثقب جاذبية في أذهاننا يسحب بقوة لا تقاوم كل الطفيليات المزعجة التي تعيق صفاء أذهاننا..نحاول بشيء من التهذيب مسخ كل مالا يروقنا من الموجودات التي لا ترقى إلى أكثر من أن تكون عبئا سقيما على ظاهرة نكونها باختلافنا..نحاول تهميش بذاءة ما صادفتنا قدرا..نحاول نبذ مألوف لم نألفه يوما..
قد نشعر بحاجة ملّحة لتأليه ذواتنا الحرّة،لأن قوة الخلق عندما تركت لنا سرّا خالدا،كان الكلم لاغير..فكلما استشعرنا حاجة لتقليد الإله،تعثرنا بجموح الرغبة للكتابة فقط..
عندما تتثاءب حيواتنا إنذارا بغفلة ما،نوجعها بيقظة الحرف وجنون الكلمة تمردا منا على احتمالية الهدوء المحتضر إيذانا بموت من نوع معيب لإنسانيتنا..عندما نشعر بأننا نقف على حافة الحياة،بين هلاك الجنون وهلاك العقل،نفرغ بعضا من وعينا على هذه "المساحات البيضاء"انتقاما لهذيان نصاب به دوارا عنيفا،أو رغبة مسيطرة للغياب قليلا عن أنفسنا،وعن كل التفاصيل التي قد تردينا صرعى أمام واقعيتها التي لا نقبلها حتى وإن كنّا مفتعليها المنتهكين لحرمتنا بحدوثها..
هل نكتب قهرا؟!أم ردة إبداع لمأساتنا التي تنزف كجرح لا تنوي دماؤه أن تتخثر يوما على حدوده المفجعة ؟!
هل نكتب عنفوانا..كبرياء..مشروعا لرتق نواقصنا بأشلاء ورق ملوثة براغائبنا السريّة!..أم للاجتراء على ضعفنا المفضوح أمامنا بالألم المشهود!
هل نحترف طعن الأقلام اكتراثا بعالمنا،أم توقا لعوالم لم نعرفها بعد..أم حالة تغييب كامل لما نكونه،كحالة نشوة!
عندما أكتب،أشعر أني تحوّرت إلى جنيّة مأمورة تحيل أعماقي بعصى سحرية إلى غبار كوني مرهون لقدر الأبجدية..فأذعن لحقيقتي،وأسلم نفسي لتلك الجنية التي أعشقها بتفرّد لامسبوق،وأستلذ بتلك الحمّى التي قد تقتلني يوما..ولكن كما أريد أنا أن أقتل!..ويكفي القتيل متعة أن يموت على طريقته،بحرية الشهداء في مسالكهم إلى الموت!